يُعد سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطان شيوعًا في جميع أنحاء العالم، حيث يصيب ملايين النساء كل عام. ومن بين الأنواع المختلفة لسرطان الثدي، يبرز سرطان الثدي الثلاثي السلبي (TNBC) بسبب طبيعته العدوانية وخيارات علاجه المحدودة. يقدم هذا المقال نظرة شاملة حول سرطان الثدي الثلاثي السلبي، بما في ذلك تاريخه وأسبابه وأعراضه وطرق علاجه والتوقعات المستقبلية للمصابين به.
لمحة تاريخية عن سرطان الثدي الثلاثي السلبي
تم تقديم مصطلح سرطان الثدي الثلاثي السلبي لأول مرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما اكتشف الباحثون نوعًا فرعيًا من سرطان الثدي لا يُظهر ثلاثة مستقبلات رئيسية: مستقبلات الإستروجين (ER) ومستقبلات البروجستيرون (PR) ومستقبل عامل النمو البشري (HER2).
كان هذا التصنيف ضروريًا لأنه يعني أن العلاجات الهرمونية التقليدية والعلاجات المستهدفة لمستقبل HER2 غير فعالة ضد هذا النوع من الأورام. منذ ذلك الحين، أصبح TNBC محورًا للعديد من الدراسات نظرًا لسرعته في الانتشار، وارتفاع معدلات تكراره، وافتقاره إلى العلاجات المستهدفة. لا يزال العلماء يعملون على دراسة الأسس الجينية والبيولوجية لهذا المرض من أجل تطوير علاجات أكثر فاعلية.
الإحصائيات العالمية الحالية
يشكل سرطان الثدي الثلاثي السلبي حوالي 10-15٪ من جميع حالات سرطان الثدي في العالم. ويُلاحظ بشكل أكبر في:
- النساء الأصغر سنًا، وخاصة اللاتي تقل أعمارهن عن 40 عامًا
- النساء من أصول أفريقية وأمريكية من أصل أفريقي، حيث يكون لديهن استعداد وراثي أعلى
- النساء المصابات بطفرات جينية في BRCA1، مما يزيد من خطر الإصابة بسرطان TNBC
تشير التقارير العالمية الحديثة إلى أن معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لمرضى TNBC أقل من الأنواع الأخرى من سرطان الثدي، ويرجع ذلك إلى طبيعته العدوانية وقلة العلاجات المستهدفة المتاحة.
أسباب وعوامل خطر سرطان الثدي الثلاثي السلبي
بينما لا يزال السبب الدقيق للإصابة بسرطان TNBC غير معروف، تم تحديد العديد من عوامل الخطر التي قد تزيد من احتمالية الإصابة:
1. الطفرات الجينية
ترتفع نسبة خطر الإصابة بسرطان TNBC بين النساء المصابات بـطفرات جينية في BRCA1. لذلك، يُنصح بالخضوع لاختبارات وراثية إذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الثدي.
2. العمر والعرق
يصيب TNBC النساء أكثر في سن مبكرة، وخاصة النساء ذوات الأصول الأفريقية واللاتينية والشرق أوسطية.
3. السمنة والعوامل المرتبطة بنمط الحياة
تُعد السمنة، وقلة النشاط البدني، والعادات الغذائية غير الصحية من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة، مما يبرز أهمية اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام.
4. الحمل والتغيرات الهرمونية
النساء اللاتي لم يسبق لهن الإنجاب أو حملن لأول مرة بعد سن 30 قد يكنّ أكثر عرضة للإصابة. وعلى عكس الأنواع الأخرى من سرطان الثدي، فإن TNBC لا يعتمد على الهرمونات في نموه، مما يجعله مقاومًا للعلاجات الهرمونية التقليدية.
أعراض سرطان الثدي الثلاثي السلبي
تتشابه أعراض TNBC مع أنواع سرطان الثدي الأخرى ولكنها تميل إلى التطور بسرعة أكبر. تشمل الأعراض الأكثر شيوعًا:
- وجود كتلة في الثدي تكون صلبة وغير منتظمة الشكل وتنمو بسرعة
- تورم أو تغير في شكل الثدي
- انقلاب الحلمة أو إفرازات غير طبيعية قد تحتوي على دم
- ألم أو حساسية في المنطقة المصابة
- احمرار أو تجعد الجلد (يشبه قشر البرتقال)
من الضروري استشارة الطبيب في حال ظهور أي من هذه الأعراض، حيث إن الاكتشاف المبكر يمكن أن يحسن بشكل كبير من فرص العلاج.
كيف يتم تشخيص سرطان الثدي الثلاثي السلبي؟
1. التصوير الشعاعي للثدي والتصوير بالموجات فوق الصوتية
يمكن أن يساعد تصوير الثدي بالأشعة السينية أو الموجات فوق الصوتية في اكتشاف الكتل المشبوهة.
2. الخزعة
يُعد أخذ خزعة بالإبرة من الورم المعيار الذهبي لتأكيد الإصابة بسرطان TNBC، حيث يتم تحليل خلايا الورم للتحقق من المستقبلات الهرمونية.
3. الاختبارات المناعية الكيميائية
يتم إجراء هذا الفحص للتأكد من عدم وجود مستقبلات ER و PR و HER2، مما يؤكد تشخيص سرطان TNBC.
4. الفحوصات الجينية
يُنصح المرضى، خاصة من هم أقل من 40 عامًا أو لديهم تاريخ عائلي للإصابة، بإجراء اختبارات طفرات BRCA1 و BRCA2 لتقييم المخاطر الوراثية.
خيارات علاج سرطان الثدي الثلاثي السلبي
نظرًا لعدم وجود مستقبلات هرمونية، فإن العلاجات الهرمونية التقليدية ليست فعالة ضد TNBC. تشمل العلاجات المتاحة ما يلي:
1. الجراحة
يعتمد نوع الجراحة على حجم الورم ومرحلته، ويمكن أن تشمل:
- استئصال الورم (الجراحة المحافظة على الثدي) في حال الأورام الصغيرة
- استئصال الثدي بالكامل في الحالات الكبيرة أو العدوانية
2. العلاج الكيميائي
يُعد العلاج الكيميائي الخط العلاجي الأول، سواء قبل الجراحة (العلاج الكيميائي المساعد الجديد) لتقليص الورم، أو بعد الجراحة (العلاج الكيميائي المساعد) لمنع تكرار المرض.
3. العلاج المناعي
أظهرت أدوية مثل بيمبروليزوماب (Keytruda) نتائج واعدة في علاج TNBC المتقدم أو النقيلي من خلال تحفيز جهاز المناعة لمحاربة السرطان.
4. العلاج المستهدف
مثبطات PARP مثل أولاباريب (Lynparza) وتالازوباريب (Talzenna) تُستخدم في المرضى الذين لديهم طفرات BRCA.
5. العلاج الإشعاعي
قد يتلقى المرضى الذين يعانون من سرطان TNBC عالي الخطورة العلاج الإشعاعي بعد الجراحة لتقليل فرص تكرار المرض.
التوقعات المستقبلية ومعدلات البقاء على قيد الحياة
يعتمد تشخيص TNBC على عدة عوامل مثل حجم الورم وانتشاره والطفرات الجينية. عادةً، يكون خطر تكرار المرض مرتفعًا خلال السنوات الثلاث إلى الخمس الأولى بعد العلاج. ومع ذلك، إذا لم يتكرر المرض خلال هذه الفترة، تزداد فرص البقاء على قيد الحياة بشكل كبير.
يبلغ معدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات لسرطان TNBC الموضعي حوالي 77٪، ولكنه ينخفض إلى 12٪ في الحالات المنتشرة. لذا، فإن الاكتشاف المبكر هو المفتاح لتحسين فرص العلاج.
الخاتمة
يُعد سرطان الثدي الثلاثي السلبي من الأنواع العدوانية التي تتطلب استراتيجيات علاجية خاصة. ومع ذلك، فإن التقدم في العلاج الكيميائي والمناعي والمستهدف يُحسن بشكل متزايد من معدلات النجاة.
